القضاء في خدمة المواطن

أحدثت وزارة العدل سنة 1955، وشكلت منذ ذلك التاريخ السلطة الحكومية المكلفة بمهام إعداد وتنفيذ سياسة الحكومة في ميدان العدالة. وبمقتضى دستور 2011، تغيرت مهام وزارة العدل بعد استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.

مهام وزارة العدل ما بعد استقلال السلطة القضائية:
إن التغييرات التي عرفها مشهد العدالة بعد تنزيلالاستقلال المؤسساتي الكامل للسلطة القضائية، جعل وزارة العدل تضطلعبمهام استراتيجية وعلى درجة كبيرة من الأهمية، لاسيما فيما يتعلق بتوفير مستلزمات العدالة ببلادنا، وتمكين المحاكم من إنتاج عدالة في ظروف لائقة وميسرة، وتقديم خدمة قضائية جيدة للمواطنين.

وفي هذا الصدد فإن الوزارة بحكم اختصاصاتها في ظل الوضع الجديد، أصبحت مسؤولة عن تفعيل حق المواطن في الولوج إلى العدالة وذلك من خلالتعبئة الموارد البشرية و المالية واللوجستيكية، والتجهيزات، والبنايات، بما يضمن حسن سير عمل المحاكم وتصريف العدالة، كما انها تضطلع بمهام الإشراف علىالتدبير المالي والإداري للمحاكم ، وتتبع ومواكبة تنفيذ برامج ومؤشرات نجاعةالأداء ، والإشراف على حوار التدبير ، هي تحديات كبرى تفرض على الوزارة أن تتوفر على بنية إدارية ممركزة حديثة، تكون في مستوى المسؤوليات الجديدة وقادرة على النهوض بالأعباء المنوطة بالوزارة .

وفي إطار تنزيل مقتضيات ميثاق الاصلاح الشامل لمنظومة العدالة التي ارتكزت على المرجعيات الأساسية

التي حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في خطبه ورسائله السامية، ولاسيما خطابه يوم 30 يوليو2013بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش المجيد، مقتطف من الخطاب الملكي السامي:

….. ما فتئنا منذ تولينا أمانة قيادتك، نضع اصلاح القضاء، وتخليقه وعصرنته، وترسيخ استقلاله، في صلب اهتمامنا ليس فقط لإحقاق الحقوق ورفع المظالم، وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة، كمحفز على التنمية والاستثمار………

ويضيف جلالته:

…..  ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبئنا له من نصوص تنظيمية، واليات فعالة، فسيظل      “الضمير المسؤول ” للفاعلين فيه، هو المحك لإصلاحه، با وقوام نجاح القطاع برمته. انتهى كلام جلالته.

كما  انصب عمل الوزارة، بتنسيق تام مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، ومع باقي الشركاء على المستوى الوطني المعنيين، حيث تم في هذا الصدد إعداد مسودة مشروع القانون رقم 27.21 المنظم لرقمنة الإجراءات القضائية في المجالين المدني والجنائي، والتي تروم استعمال الأنظمة الرقمية في إجراءات التقاضي المدنية أمام مختلف محاكم المملكة، وكذا اعتماد الحسابات الإلكترونية المهنية بالنسبة للمحامين والمفوضين القضائيين والخبراء، واستعمال الرقمنة في كافة مراحل الدعوى العمومية والمعالجة المعلوماتية للمحاضر المنجزة في إطار إجراءات الدعوى المدنية والجنائية وتذييلها بالتوقيع الالكتروني، إلى جانب إجراءات أخرى.

كما انفتحت وزارة العدل كذلك على التجارب المعمول بها لدى شركائها الدوليين في هذ المجال الذين عبروا عن دعمهم لمشاريع التحول الرقمي بهدف تأهيل بيئة منظومة العدالة الحالية، ووضع منظومة لقيادة برامج الرقمنة، وتقوية القدرات البشرية والمؤسساتية والتشريعية والتنظيمية، من خلال دعم برامج التكوين في مجال العدالة الرقمية ومواكبة إحداث وظائف نوعية جديدة، والعمل كذلك على تقوية البنية التحتية المعلوماتية وتأمين البرامج المعلوماتية وتعزيز حماية المعطيات الشخصية.

 استقلال السلطة القضائية:

لقد توج هذا المسار الإصلاحي للقضاء بصدور القانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، وتنصيب جلالة الملك لأعضاء المجلس المذكور بتاريخ 06 أبريل 2017، كما تعزز كذلك بإحداث مؤسسة رئاسة النيابة العامة استكمالا لبناء وتوطيد استقلال السلطة القضائية، وهو ما تأتى بتعيين جلالة الملك للوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، وصدور القانون رقم 17.33المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، وبسن قواعد لتنظيم رئاسة النيابة العامة”، والذي تم بمقتضاه تحديد هذه المهام والمتمثلة حصريا في ما له علاقة بالسلطة الرئاسية على قضاة النيابة العامة، ومراقبة عملها، وممارسة الدعوى العمومية، والسهر على حسن سير الدعاوى، وممارسة الطعون المتعلقة بها.

و أصبحت العدالة شأنا تتقاسمه السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى جانب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، وفق هندسة تشاركية تنسيقية قائمة على التعاون والتفاهم البناء، كل في حدود اختصاصاته، وبما لا يمس باستقلال السلطة القضائية ويضمن توازن السلط وتعاونها، طبقا للفصل الأول من الدستور للمملكة والذي نصت فقرته الثانية على: “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة،” أصبح جهاز القضاء يشكل سلطة ثالثة داخل الدولة الى جانب السلطة التشريعية والتنفيذية بحيث كرس مبدأ استقلاليته (الفصل 107 من الدستور).

وبالارتكاز على المرجعيات الأساسية التي حددها صاحب الجلالة محمد السادس في درره السامية ولا سيما الرسالة  الملكية الموجهة للمشاركين في النسخة الأولى من مؤتمر عدالة الذي انعقد في مراكش بتاريخ 02أبريل 2018 حيث دعا جلالته الى تطوير العدالة وتحسين أدائها وتحديث التشريعات وملائمتها مع الالتزامات الدولية للمملكة لتحسين مناخ الاعمال ودعم شفافية الإدارة القضائية باستثمار ما تتيحه تكنولوجيا المعلوميات لتنزيل المحكمة الرقمية تماشيا مع تنزيل التوجهات الملكية السامية لورش الاصلاح  الشامل والعميق للعدالة والسير قدما  في تنفيذ مضامينه الداعمة لاستقلال السلطة القضائية وتحديث الإدارة القضائية بهدف جعلها إدارة عصرية تجعل من خدمة المواطن “المتقاضي “المحور الرئيسي لاستراتيجيتها.