في إطار تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال تطوير الإطار القانون المتعلق بالتكنولوجيا الحديثة، و نيابة عن السيد وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ألقى مدير الشؤون المدنية والمهن القانونية والقضائية السيد رشيد وظيفي، يومه الأربعاء 30 أكتوبر 2024 بفندق Grand Mogador City Center Casablanca كلمة خلال فعاليات افتتاح أشغال المؤتمر العربي الثالث للملكية الفكرية المنظم تحت شعار “الملكية الفكرية وتحديات الذكاء الاصطناعي”.
وأكد السيد الوزير في كلمته أن التطورات المتسارعة في تقنيات الذكاء الاصطناعي أحدثت ثورة حقيقية في طريقة إنتاج وابتكار المصنفات الفكرية والإبداعية. إذ تجاوزت هذه التقنيات دورها التقليدي كأدوات مساعدة للإنسان لتصبح قادرة على إنتاج أعمال إبداعية متكاملة وابتكارات تقنية معقدة بشكل شبه مستقل، في مجالات متعددة، بدءاً من إنتاج الأعمال الفنية والموسيقية والأدبية، مروراً بتطوير برمجيات وحلول تقنية مبتكرة، وصولاً إلى اكتشاف تركيبات جديدة في مجال الأدوية والمواد.
وأشار السيد الوزير أن إشكالية حماية الملكية الفكرية في عصر الذكاء الاصطناعي تتجلى في كون النظام القانوني التقليدي يقوم على افتراض أساسي مفاده أن الإبداع والابتكار هما نتاج العقل البشري حصراً، غير أن ظهور أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على التعلم والإبداع بشكل مستقل يضع هذه المفاهيم التقليدية موضع تساؤل عميق، مما يفرض إعادة النظر في الأسس النظرية والقانونية لحماية الملكية الفكرية، وهذا الواقع الجديد يطرح تساؤلات جوهرية وملحة حول مفهوم المؤلف والمخترع في السياق الرقمي: هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي مؤلفاً أو مخترعاً؟ وكيف يمكن تحديد صاحب الحقوق في الإنتاج الفكري للذكاء الاصطناعي؟ وما هو المعيار القانوني المناسب لتقييم أصالة وابتكارية الأعمال المنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي؟
مشيرا في السياق أن التداخل بين براءات الاختراع وحقوق المؤلف يطرح تحديات جديدة في تصنيف وحماية الابتكارات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي. فالعديد من تطبيقات الذكاء الاصطناعي تجمع بين عناصر تقنية وإبداعية، مما يجعل من الصعب تحديد نظام الحماية القانونية المناسب لها. وهذا الوضع يستدعي إعادة النظر في التصنيف التقليدي لحقوق الملكية الفكرية وتطوير أنظمة حماية جديدة تتناسب مع طبيعة الابتكارات الرقمية، خاصة أن الإطار القانوني الحالي بالمغرب والمتمثل في القانون 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية والقانون رقم 2.00 الخاص بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، رغم أهميتها، لم تصمم لمواجهة التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، مما يخلق فجوات قانونية مهمة في حماية الابتكارات والإبداعات المرتبطة بهذه التكنولوجيا.
وشدد السيد الوزير أنه لمواجهة هذه التحديات ، فمن الضروري تطوير إطار قانوني متوازن وشامل يراعي خصوصية الإبداع والابتكار في العصر الرقمي. ويمكن أن يشمل تطوير تعريف قانوني جديد للمؤلف يستوعب الإنتاج بمساعدة الذكاء الاصطناعي، ووضع معايير خاصة لحماية الابتكارات الناتجة عن هذه التقنيات، مع تنظيم دقيق لحقوق استخدام البيانات في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي، كما أشار أن وزارة العدل من منطلق اختصاصها، تعمل على التفكير في وضع إطار قانوني متين ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي، بما يضمن الحماية اللازمة لجميع الأطراف المعنية، ويحافظ على الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في عصر العدالة الرقمية، كما يجب تعزيز التعاون الدولي في مجال حماية الملكية الفكرية الرقمية. نظرا لكون طبيعة التقنيات الرقمية العابرة للحدود تفرض ذلك.
كما أوضح السيد الوزير أنه يجب الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في المجال ، مثل تجربة الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، والتوصيات والمبادئ التوجيهية التي وضعتها المنظمات الدولية المتخصصة في مجال الملكية الفكرية. مع تكييفها بما يتناسب مع خصوصيات وظروف المنطقة العربية.
واختتم السيد الوزير كلمته متمنيا أن تسهم مخرجات المؤتمر في تطوير الإطار القانوني الحالي، ليواكب التحوّلات التكنولوجية المتسارعة. بما يكفل حماية حقوق المُبدِعين والمُبتكرين، ويُعزِّز مناخ الإبداع والابتكار في عصر الثورة الرقمية، في إطار تصور تشريعي يحقق التوازن المنشود بين حماية الحق في الملكية الفكرية وتشجيع ومسارية التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي.