القضاء في خدمة المواطن

WhatsApp Image 2025-11-23 at 09.42.52

شارك وزير العدل السيد عبد اللطيف وهبي في افتتاح ندوة التمرين الوطنية بهيئة المحامين بالدار البيضاء يومه الجمعة 21 نونبر2025، وقدم كلمة بالمناسبة استهلها بالقول أن مهنة المحاماة ظلت في عمق ممارسة السلطة، ومناهضة لتجاوزاتها من أجل بناء دولة الحق والقانون والحريات، ومن خلالها تم ضبط العلاقة بين المواطن وقيم العدالة والحق والقانون، مضيفا أن المحامون الكلمة سلاحهم، والفكرة وسيلتهم، فهم يسعون إلى صياغة الأحداث، ويؤسسون لعلاقات بين الفعل والمؤازر، بين القاضي والماثل أمامه، بين القانون والفعل ذاته.

وأشار السيد الوزير أنه في العصر الحالي، تطورت الأشياء بشكل رهيب، وأمست الآلة تتداخل مع وظيفة المحامي، كما أن الاكتشافات العلمية أضحت تحد من قدرته على التفسير والتحليل، وفي كثير من الأحيان على التعليل، وأصبحت هذه السلطة العلمية تلجم المحامي وتواجهه، خاصة أن الوسائل العلمية في مجال الإثبات اكتسبت نوعا من القدسية القانونية؟ فالمتدخلين في العملية القانونية يعتبرون خطاب المحامي مسألة ظنية، واستعمال الوسائل العلمية حقيقة مطلقة، كالبصمات والبحث الجيني وصور الكاميرات، مستشهدا في السياق بقول أحد المحامين الأمريكيين حول هذا الوضع “لقد اختزلوا وظيفتنا واجتهاداتنا في معطيات رياضية أو تقنيات آلية”، بل هناك من قال أنه “على المحامي الصمت عندما تتكلم نتائج البحث العلمي حول مسرح الجريمة”.

وأوضح السيد الوزير أنه في عدد من الدول هناك مشاريع لمحاكمة رقمية يديرها الذكاء الاصطناعي والقاضي الآلة على الكمبيوتر المحمل بالملفات والاجتهادات والنصوص، التي تمكنه من تحليل القضية وإصدار الحكم فيها، مضيفا في أنه كوزير يؤمن بأن العدالة تكمن في الإنسان، في مرافعة المحامي، وفي إحساس القاضي أو ربما حتى في خطأه، ولا يجب أن تغتال القناعة الصميمية للقاضي باسم التطور العلمي، لأنها ذلك الخيط الرفيع الذي يصنع العدالة، وإذا تم فصلها عن المجال الإنساني فسنتحول إلى طغيان الآلة. بل إننا مقبلون على مرحلة سيختزل فيها عالم المحاماة داخل الكمبيوتر، وداخل الوسائل العلمية الحديثة، وستجعل القضايا تخترق الحدود واللغات والمعنى، وسنكتشف أننا نناقش نزاعا مدنيا أو تجاريا موضوعه في بلد وتنطبق عليه قواعد ضريبية لبلد آخر، ونصوص جمركية لبلد ثالث، ووسائل إثبات في بلد رابع. أو أمام جريمة تبتدأ بقريتك وتنتهي في قرية دولة أخرى بأصقاع العالم، وستضيعون في تعقد الجغرافيا وتقاطع القوانين، وعليك أن تكون مستعدا، فماذا هيئنا لهذه الكومة من التعقيدات؟.

ونبه السيد الوزير أن أكبر مايهدد المحاماة هي التي نسميها كذبا وبهتانا بوسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحقيقة هي مجرد وسيلة للتباغض الاجتماعي، والغريب في الأمر أننا بدأنا نكتشف أن المحاكمات أضحت تخرج من قاعة المحكمة إلى ساحة التواصل الاجتماعي الموبوء، بل وأصبحت حرمة المتقاضين مستباحة، إذ يتحدث المحامون بدون تحفظ عن الجرائم المنسوبة لموكليهم، وعن متابعاتهم، حتى أصبحت العلنية نوعا من الاستباحة والافتضاح الذي يغتال العدالة بأسرها، فالموضوع يتسم بكثير من الانحراف عندما تتم مناقشة القضايا في هذه الشاشات المهينة، فيتحول معه المحامي الجيد إلى صحفي رديء مخالفا لجميع الأخلاق وقوانين احترام موكليه وقضاياهم وحياتهم الحميمية، ربما معتقدا أنه نوع من الاستثمار لدوره أو لشخصه، في حين هي تصرفات تثير اشمئزاز المشاهدين، فبأي حق يخرج المحامي من شاشة هواتف الغير ليعدد جرائم موكله وكأنها مرافعات افتضاحية؟ أو ربما رغبة في التأثير على القضاء؟ كما أن المحامي الذي يحترم نفسه هو المحامي الذي يترافع في الجلسة مبتعدا عن هذه الوسائل التي تشهر بموكله وبحياته الخاصة، وفي كثير من الأحيان تسيء للعدالة نفسها.

كما أردف السيد الوزير أن العدوى انتقلت إلى جهاز القضاء، ما سينعكس بشكل سلبي على الجهاز القضائي، لكون القاضي سيصبح شخصية عامة مستباحة وقابلة للتجرأ عليها، وسيفقد كثيرا من الهيبة والسلطة الأخلاقية التي يتمتع بها، علما أن الجهل بالقاضي جزء من سلطة القاضي وهيبته، مضيفا أنه حاول استباق هذا الوضع، إذ تم التنصيص في قانون المسطرة الجنائية المصادق عليه مؤخرا على مقتضى تعيين ناطق رسمي باسم النيابة العامة، كي يحفظ للقضاة هيبتهم واحترامهم، ويكون خطابهم يتسم بالمسؤولية والحياد، فالقاضي لا يختلط مع العوام خاصة إذا كانت في خضم وسائل التباغض الاجتماعي لما لها من انعكاسات سلبية على صورته ومكانته.

وأعلن السيد الوزير أنه سيتم عقد اجتماع حول قانون المهنة، وأنه باتفاق بينه وبين الجهات الحكومية تقرر إدراجه للمصادقة في اجتماع لمجلس الحكومة منتصف دجنبر المقبل ومن تم إحالته على البرلمان، كما اقترح على لجنة العدل والتشريع بكلا المجلسين عقد أيام دراسية حوله تحضره الجمعية بكل نقبائها وأساتذتها الأجلاء، وكذلك لقاءهم برؤساء الفرق وأعضاء البرلمان حتى يساهم الجميع في وضع قانون متوافق حوله.

وأنهى وزير العدل كلمته برسالة موجهة للجيل الجديد من المحامين المتمرنين، دعاهم فيها إلى التواضع العلمي والاستمرار الدائم في التعلم، قائلاً:

“القانون علم لا متناهٍ، وكل يوم تكتشف أنك جاهل بشيء جديد. والمحامي يظل متمرنا إلى أن يلقى ربه”.

 

منشور له صلة

WhatsApp Image 2025-11-23 at 09.42.52

وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي يشارك في افتتاح ندوة التمرين الوطنية بهيئة المحامين بالدار البيضاء

إقرأ المزيد
nv nv

بلاغ إعلامي حول أشغال الورشة المنظمة بوزارة العدل حول آلية الإفراج المقيد بشروط

إقرأ المزيد
WhatsApp Image 2025-11-20 at 17.15.05

تعيين السيد محمد حافيضي مديرا للتشريع والدراسات

إقرأ المزيد